نـُو بـَالـْياجْ ("non.. balayage")
نـُو مونـْت ("non.. mont ")
نـو تـُور ("non.. tour")
شكون يتذكّرها .. ههه
كنت منغمس في لعب البيس
و الزربوط وقت اللي سـْـرَى الخبر في الحومة ، و بدت الناس الكل تتلاقف فيه ببرشه
شغف و فرح و ابتهاج . و اللي عندو حاجة فيدو حطّها ، و الناس الكل قالت يا البطحا
البطحا تترشرش
كل حد يرشرش المساحة الصغيرة اللي باش يستقر
فيها هو و عيلتو ، في رمشة عين تكون الكل مرشرشه .. يتبدّل لون التراب و شكلو .. و
مزاجو .. و تفوح ريحة البلل ..كل حدّ يأثّث مكانو ، هاذا جرّاية .. و هذا كليم مزيّن ..و الاخر كليم شوالق ، حصير .. زربية .. جلد علوش .. تابوريّات .. قياسات ..
كراسي .. كنتول او ياجور للجلوس ..
خالتي خديجة ( اللي غنيت عليها الغناية هاذي) بحكم قرب
دارها للبطحا .. تخرّج البنك اللوح متاعها .. بنك زمني بلنـز يلمّع .. الخدوش اللي
فيه زاداتو عمق في التاريخ .
خالتي خديجة كانت اكثر وحدة تحتفل بالنهار
هاذا . رغم تقدّمها في السّن نسبيا ، هي كانت اكبر نسا الحومة ، و رغم ما يفرضو
عليها عمرها من ضرورة التحلي بالـ"وقار" و الـ"حكمة" و الـ"نضج"
.. الا انّو ميلها للمرح و للحياة و لاستراق لحظات سعادة سريعه من ضنك العيش هو
اهم ما كان يميّز كاراكتارها
خالتي خديجة كانت
معروفة بفدلكتها الخضرا على صغار الحومة ، هاي خوّفت وحدة من البنيّات الصغيّرات و
ڤـالتلها راني باش نعرّسلك بفلان (احد اولاد الحومة الصغار) ، و كي البنية يجد
عليها و تبدى تبكي و خايفة .. تموت هي بالضحك
هاي حسبت روحها باش تطهّر واحد من الولاد (لولاد
برك .. خاطر وقتها ما كانش ثمّه في الدنيا كارثه اسمها : وجدي غنيم .. ههه ) رغم
اللي كنا نعرفو انّها تفدلك ، لكن اتقانها في التمثيل كان يسيطر علينا و يخلي
الحكاية تجد علينا و نهربو .. و كي نشوفو الكبار يضحكو .. نولّو حتى نحنا نضحكو و دموع الخوف مازالت ما شاحتش على وجوهنا
خالتي خديجة كانت تحب
المزود .. و تحب تشطح عليه في الاعراس الشعبية متاع الحومة .. مزود السبعينات ..
بجاه الله يا حب اسمعني سامورك شعّال .. ارض علينا يا لمّيمه رانا موضامين .. جنه
و اطرافك نار .. يا مولات الزين البرڤـي يا عويشة .. ناري عالزّينه يمّة ما جاتش
اليوم .. تشترق شربق .. يا حبق ...
كان فن المزود محاط بنوع من المنع اللذيذ ..
كنا نشرو الكتب متاع كلمات الاغاني خلسة من اهلنا .. باش نحفظوهم .. و الاحساس
هذاكه اللي كان يجيني ونا نقرا في كتاب اغاني مزود .. هو اللي لقيتو من بعد كي
كبرت شويّ .. وقت اللي مسكت لاوّل مرة ونا تلميذ في الثانوي منشور سياسي و بديت
نقرا فيه في تركينه من تراكن دارنا .. و الا اول مرة حطيت فيها K7 متاع الشيخ امام ..
نرجعو للبطحا
ماكانتش الفريجيدارات
منتشرة . كانو اللي عندهم فريجيدار في ديارهم يتعدّو على الاصابع في الحومة .. و
كانو الجيران يهزّو كاسرونات ماء .. للي
عندهم فريجيدارات يجمّدوهملهم .. ثمّه الاڤــلال و الجرار و البرّادات الطّين .. و
البرّادة يغلّفوها بخيشة نظيفة مبلولة بالماء .. باش الماء اللي في وسطها ما يسخنش
.. هكّه .. كانوا يتوهّمو انّو الماء يبقى بارد ..
نحنا بحكم اصولنا
الجريدية كانت عندنا هاذي
عاد من لعشية كل حدّ يهزّ مبرّداتو للبطحا .. ماء
.. غلّة .. ثمّة حتى اللي يهزّو عشاهم فرد مرّة خاطر جايّين من احياء بعيدة شويّة
البطحا مرشرشة .. ريحة
التراب المبلول هي المسيطرة على الجو .. بخور .. ريحة الفول من كرّوسة الفوّال ..
اللي حين ما سمع بالخبر جاب كرّوستو و جا .. ساعه ساعه .. النسمة تجيب ريحة .. ما
كنتش نعرفها شنوّة .. اما كانت لا تعجبني لا ما تعجبنيش .. بعد عويمات عرفت اللي
الريحة هاذيكه هي ريحة البيرة .. و ولّت عاد تعجبني .. ههه ..
الجراري و الاكلمة و
الزرابي و التابوريات و الكراسي مبلّصه .. البرادات و الشقايل المغطّية و المّاعن
محطوطة على جنب .. كل حد وش حاطّ في مساحتو الصغيرة ..
البطحا تنفجر بالحياة
البطحا تتنفّس بشرًا
محتفلين
الصّغار متصفصفين فوق
السّور متاع النادي المقابل البطحا .. قاصّين بالكون
الانتظار بتوتّر هو
الخيط الرابط بين الناس الكل
بعض العايلات
"الـرّقّي" شويّة .. كانوا يقعدو بعاد شوي على البطحا .. تفاديا
للاحتكاك بالعامّة .. هه .. و كانت قعدتهم تظهر عليها مظاهر الرفاه .. لكن شايحة و
باهته و طافية .. وماهيش منسجمة مع الجو العام .. جو الاحتفال الشعبي المخيّم على
البطحا .. يجيبو طواول و كراسي و اكسسوارات اخرى ما كنّاش فاهمينها شنوّة ..
يمكن راهي قلاسيارات .. مثلا ..
حس .. توشويش .. تصفير
.. تصفيق .. ضجيج .. عرك .. فيسع ما يتحزّ .. تبزنيس .. تكحيل .. فرص للقاء العشاق
الصغار بعضهم ببعض .. و لو من بعيد
حتّى من اسيا بطرونة الكارتي تجي هي و "بناتها"
المتسفسرين للبطحا .. عشيّتها ما ثماش "خدمة" .. على خاطر الشي اللي باش
يصير في البطحا .. اهم بالف مرة من تلبية نزوة عابرة .. اسيا و بناتها ماهمش
هاربين .. اما الحدث متاع الليلة هو اللي هارب و ما يلزموش يتفلّت
الببّاصات زادة يجو ..
"بازيلو" ..
الشايب السّبنيوري البشوش اللي ديمة لابس "كالباك".. المنفي اللي هارب
من فرانكو .. هو و جماعتو السبنيور .. واحد منهم اسمو "خيّو" .. و الاخر
نسيتو .. زاده موجودين
كنّا و نحنا صغار ، نتعمّدو
المرور من قدّام دارو باش نتلفّتو و نشوفو اللوحة الزيتية الكبيرة اللي معلّقها في
كولوار دارو في الحيط المقابل للنهج ، و اللي فيها مرا عريانة .. و كان احساسنا مزيج من صدمة
لذيذة و استغراب و اعجاب .. احنا اللي متعوّدين كان بكواتروات "الله" و
"محمد" و"السيد علي" و"بورقيبة" و "جمال عبد
الناصر" .. لوحة كيف هاذيكه كانت تثير فينا هاك الفضول اللعين .. و كان هو يبدا شالق بينا .. و يشوفلنا و يضحك
بعينيه ، و يزيد يشرّع في الباب .. و يمروح على المشوى (!) و عامل من استغرابنا و فضولنا
الكَمـْـيه متاعو .. ههه
العراء في الفن (اه لو
يفهمون) هو الوضوح .. هو الطبيعه .. هو الشفافية .. هو الخام .. هو التحرر .. هو
العفوية .. هو الرجوع الى البداية .. بالضبط كيما كان "بازيلو" طبيعي و
شفاف و متحرر و عفوي .. يكفي باش نعاود نذكّركم اللي هو كان مطارد من فرانكو .. كان
مسكين يحب يقوللنا : اللوحة هاذيكه هي انا .. و انا هو اللوحة هاذيكه .. و لذلك
انا هنا .. منفيّ بينكم .. قد تقتلوني .. و قد ترحموني .. و رحمه الناس و احبّوه
.. و مات .. و دُفـِن بينهم
قصرين طفولتي .. قصرين
اواخر الستينات اوائل السبعينات .. كانت تتميّز بنوع من التسامح الديني و الثقافي
و الاخلاقي اللي انقرض لاسباب يطول شرحها
اسيا البطرونه كانت
تدخل لدار المدّب مسعود .. الإمام متاع جامع الرحمة .. اللي مرتو خيّاطة .. و تجيبلها القياس متاع
"بناتها" و تخيّطلهم عندها لبستهم .. و ماكانش المدّب مسعود يتقلّق .. كان يفهم
اللي هي في الاخير حريفة عند خياطة ، تجي
.. كي الناس الكل .. ياخذو عليها القياس
.. وتشرب كاس تاي .. و تفدلك شويّة مع النسا الموجودات ، و تخلّص بالحاضر ..و تمشي على روحها ..
كانت خالتي خميسه مرة
المدّب مسعود ، كيفها كيف اغلب النسا وقتها عندهم مشاعر شفقة تجاه نوع اسيا و
"بناتها" .. و كانو ، على قلّة .. بل انعدام تعليمهم ، يسمّوهم
"الصّابـْرات" .. و يظهرلي من خلال التسمية هاذي ، واضح التفهّم العميق للعمق الوجودي التراجيدي متاع
الفئه هاذيكه من النسا.
وجود اسيا و بناتها في
البطحا في ليلة كيما هاذيكه .. ما كانش يجلبلهم ايّ نوع من التحرّش او العدوانية
تجاههم . رغم معرفة الناس الكل بوجودهم
الحدث اللي باش تحتضنو
البطحا ، حدث جلل ، عندو نوع من القدسية
بحيث يخلّي الناس الكل يحسّو بانّهم اخوة
الفن عندو سحر يخدّر
بيه الاخلاق .. يجمّدها .. يحيّدها .. يلغيها الى حين .. الاخلاق تظهر صغييييرة
قدّامو
نفس الشي مع الببّاصات
اللي كانوا متعايشين مع اهل البلاد و محبوبين و اجتماعيين ، و مع المنفيين
السبنيور الهاربين من فرانكو .
ما كانش حتى حدّ
يتعامل معاهم انطلاقا من اختلافهم الديني . كانت ثمّه مسحة من التسامح الديني
بينهم و بين الشيوخ و الائمّة .
الظلام بدا يخيّم على
البطحا
شششششششششت
ششششششت
سي الهادي جا
سي الهادي هاذا كان هو
الحاضن لكل ماهو انشطة فنّية و ثقافية في الجهة .. السنما و عرض الافلام في الساحات و البطاحي
الشعبية ، مباريات الشطرنج و البايبي بال (baby ball) ، و الياناصيب .. تلقى عندو هو اخر البَكـْـرات متاع اخر ما غنّت ام كلثوم و عبد الحليم و فريد .
بين قوسين ، المدّة
الفايته مشيتلو على امل نلقاش عندو مانييتوفون . على خاطر لقيت عند اختي الكبيرة
بكرات
يرجع تسجيلهم الى اوخر الستينات . و قلتلها ملا كنز عندك ، لازم نسمعوهم و
نحموهم من التلف . عطاني مانييتوفون و قالّي اللي عمرها عالقليله خمسين سنه ، و
ورّاني طريقة استعمالها ،
شدّيت هاك البكرات ..
نظّفتهم من الغبار ، اللي هاذي تمشي شوي و تتقطّع .. السكوتش خدّام .. ماوسع بالهم
كانو ناس الوقت هذاكه .. البكرة الوحدة تلقاها ملصّقة بالسكوتش يجي عشرين مرّة .
بقيت نثبّت حتى في
نوعية السكوتش اللي كانو يلصّقو فيهم بيه .. سكوتش قوي و يابس .. صعب الاستعمال .. ماهوش (soft) بالكل .. و استغربت كيفاش
كانوا ينجّمو يطوّعوه لتلصيق حاجات فينو و دقيقة و صغيرة كيما شريط مغناطيسي متاع
بكره تسجيل
محتوى البكرات اغلبو تسجيلات
عائلية ... اخوتي الكبار اللي وقتها مراهقين يسجّلو في رواحهم .. اللي تغنّي في نجاة و ام كلثوم ، و اللي
يغنّي في جيمز براون و فهد بلان .. و اللي يحكي في نكته شطرها ناقص على خاطر الشريط تقطّع في حلاوة
النكته .. ، و كل مرّة واحد منهم يحسب روحو مذيع و يستجوب في خوه و الا اختو اللي
زعمه زعمه فنان و الا فنانه .. جدّايتي
مسجّلينها تقرا في اذكار و مدائح و ادعية ، والدتي تغنّي في "يطوّل عمرك
يامّيمه يا حنينه" ، و بفعل ارتباكها من المكروفون نست الكلمات و عوّضتها بتخلويضة
من وحي اللحظة من الحروف المغمغمة ، وسط ضحكات اخوتي ..
و لاحظت في الخلفية ،
صوت متاع وليّد صغير متاع عامين عامين ونص ماكسيموم ، يشوّش و يحب يفك الميكروفون من
اخوتو الكبار ، من غير حتى ما يعرف لا يتكلّم لا ينطق مليح لا يغني لا يعمل حتشي
.. هكاكه .. يبدا يبكي و يفك ، و في طمبك الفكّان و الصياح يتقص التسجيل .. ههه ... و عرفت عاد وقتها اللي
السيد المزعج هاذا لم يكن سوى العبدوللّه .. ههه.
قدّاش كنت مكرّههم في ارواحهم .. و مانخلّيهمش يسجّلو
في عقلهم . و اكيد كان الوقت ضاغط عليهم ، على خاطر الاوقات اللي كانوا يسجّلو
فيها كانت هي الاوقات اللي يبدا فيها والدي في الخدمه ، و الا في القهوة .. على
خاطر "سي السّيّد" كان ما يحبّش الحس و العبث و الفوضى متاع الفروخ في
القايلة .. هه ..
اما باش ما نظلموهش و
هو توّ في "دار الحق" ، والدي كان من المستجيبين الكبار لدعوات التحرر و
الحداثة متاع جيلو ، و ما كانش يحس اللي هاذا يتعارض مع تديّنو و صلاتو و حجّو و
زيتونيّتو ..
والدي كان في اواخر
الستينات مرات يهز الوالدة للسنما . وقتها صغير و ذاكرتي يا دوب بذت تسجّل .
نتذكّر ليله كيفاش هي تقدّ في روحها ، و تأنّقت
و برفنت و تسفسرت بسفساري الهمّة ، موش متاع كل يوم ، و مشت هي واياه سهرو في قاعة
سنما الدولاب ، تفرّجو في "رابعه العدوية" ، و من غدوة نشوفلها كيفاش
تحكي لاخواتي الكبار بكل اندهاش على الفيلم و تفاصيلو و الوانو و ازياؤو و اغانيه .
قد يكون السلوك هاذا
عادي وقتها في العاصمة و الا في بعض المدن الكبيرة الاخرى ، اما في القصرين ، و في
اواخر الستينات ، راجل يخرّج مرتو للسنما . حاجة ماكانتش معتادة . لكن والدي كان
يعملها . و حاجة كيف هكّه بالنسبه ليّ هي موضع اجلال و تقدير كبيرين.
اما اطرف تسجيل في
البكرات هاذي هو المقطع هاذا من الاخبار و اللي يقول فيه المذيع اللي "مجلس
الثورة في ليبيا عقد جلستو الاولى بقيادة العقيد الشاب معمر القذافي" ..
وقتها جا في بالي مشهد "من
انتم" .. و مشهد وجهو الغارق في الدم و العرق و الدموع و البزاق (حاشاكم)
متاع جرذان الناتو .. و ضحكت من سخرية التاريخ
التسجيلات حوّلتهم الى
mp3 و حطّيتهم في تاليفوني ، و في سيديات.. و رجّعت
المانييتوفون لسي الهادي .. اما بصراحة .. سمعانهم عندو بنّه استثنائية و هوما في
بكراتهم و آلة تسجيلهم الاصلية .. خاصّة كيف يبدا السكوتش خدّام ..ههه
نسّيتوني فاش كنت نحكي
...اه .. ايه .. البطحا
عاد قلنا سي الهادي جا
للبطحا
جت الكرهبة السحرية
متاع سي الهادي
بل موكب سي الهادي جا
مئات الاعناق تتلفّت في نفس اللحظة لنفس المكان
يخيّم على البطحا في
لحظتها سكون رهيب .. الصمت متاع آخر لحظات الانتظار ..
وقت اللي سي الهادي
يبدا يراكي في كرهبتو .. حاجة تشبّه لهاك المشهد في فيلم الرسالة .. متاع "اتركوها انّها مأمورة".. وقت اللي
ناقة الرسول تبدا تمشي بالشّوي وسط ملامح الخشوع و السكون و الانتظار و التشوّق على
وجوه المهاجرين و الانصار .. و المكان اللي باش
تبرك فيه وحّدها هو اللي باش يبنو فيه اوّل مسجد ..
مئات بل الاف العينين متاع
انصار البطحا و المهاجرين ليها J يتبّعو في عملية تنزيل البكرة الكبيرة متاع الفيلم من الكرهبة المقدّسه
، و البروجكتور .. و الكابلوات .. و عمليّة تركيبها فوق السّور ، و ما نطوّلش
عليكم ، وقت اللي يبان المستطيل الضاوي على الجدار المقابل ، نحسّو قلوبنا خرجت
منّا و طارت ترفرف على هاك المستطيل الضاوي
و يبدا العرض
عرض الفيلم
كانت الافلام اللي
يعرضوهالنا في البطحا وقتها عادة ما تكون هاك الافلام الاستعراضية البسيطة متاع
صباح و سميرة توفيق و الا افلام هندية و الا واستارن و الا افلام عمار الخليفي ..
الفلاقة .. مصباح الجربوع ..
مرة اثناء عرض فيلم
واستارن ، وقت اللي سي الهادي حبّ يعدّي مشهد القبله بين البطل و البطلة بسرعة ،
غلط بشكل توقّفت التصويرة في مشهد القبلة
بالضّبط . و تطلّب منّو وقت للخروج من المأزق وسط ضحكات المتفرّجين اللي فهموه اش كان يحب يعمل ، و تمّ
هضم الحكاية بسرعة و بخفّة .. و تم تجاوزها . و حتى حد ما كفّرو و حتى حد ما نصبلو
المحكمة متاع الاخلاق البالية
التذكّر جميل .. لكن
ما نفع التذكّر .. اذا ما يأدّيش لطرح اسئلة محرقة تخص الحاضر ؟ و المستقبل؟
ويني القصرين هاذيكه
؟؟؟
ويني قصرين التسامح و
الحداثة ، و قبول الاخر المختلف دينيا و اخلاقيا و ثقافيا
جبّانة الفرانسيس كانت
منتصبة في قلب المدينه ، قبور متساوية الاحجام و منظّمه و انيقة و رشيقة ، و كل قبر
فوقو صليب ، كنا نمشو نلعبو فيها الغميضة و الدّريـﭬـة .. و نخوّفو بعضنا فيها
تعايش الجيل هاذاكه مع
المختلف عليهم ، كان يمثّل نواتات و ارهاصات كبيرة متع نهضة حداثية شعبية و موش
فقك نخبوية .. في القصرين . لولا التهميش الاقتصادي اللي شوّهها و منع تشكّلها
بالطبيعة ، الصورة ما كانتش وردية ياسر ، باش الواحد ما
يطيحش في الماضويّة . السجون كانت تعجّ بالمعارضين اليساريين و القوميين ، و
بالطلبة..و الديماغوجيا كانت خدّامه . و اللي بيه الفايدة ماكانش موجود : التنمية
الجهوية و التشغيل ..
صعيب بل مستحيل تبني
منظومة قيمية حداثية من غير بلاتفورم مادي اقتصادي ثري و متحرّك ، تتربّى فيه الناس
و تأسّس فيه قيم اخلاقية جديدة و تنجّر و تهذّب تصوّراتها للوجود و للعلاقات
الاجتماعية .
باختصار شديد ، انتهى
العرض ، بدت العايلات تروّح ، الحصرّة تترولى .. الاكلمة تطّبـّق .. زوز من غادي
يشاملو في بنك خالتي خديجة و راجعين بيه للدار .. و يخزرو لبعضهم .. و يعاودو
يستعرضو في اكثر المشاهد اللي اثارتهم من الفيلم .. شفت منين قالّو كذا ؟ .. شفت
منين عملّو كذا ؟ .. شفت الغناية الاخّرة
محلاها .. ؟ ... قشور الفول و القليبات .. الياجور و الكنتول اللي كان يقوم
بدور الكراسي .. و بدا التراب يشيح من الترشريشه ، و بدات ملامح الحياة تختفي من
البطحا اللي مع مغادرة اخر المحتفلين ليها ،
استعادت فراغها و وحشتها
الجدار السحري المقدّس
، اللي كانت صباح تغنّي فيه لرشدي اباضة ، و الا كانت يحتضن الكمائن متاع الفلاقة
، و الا كان مسرح لصولات و جولات و بطولات مصباح الجربوع ... الجدار استرجع شحوبو
، و ظلمتو ، و ظهرت فيه النتوءات و الحفر و الخدوش و بقايا المساحات اللي ماهيش
مليّقة و مدهونه كيما يلزم ..
ليلتها يظهرلي ما
تعشّيتش .. و روّحت العين تسقي العين بالبكا على مصباح الجربوع كيفاش أعدموه
الفرانسيس . بعد كل تلك الملاحم الاسطورية و الخسائر اللي كبّدهالهم . و خواتي
الكبار و والدتي يسكّتو فيّ و يرضّو فيّ و يفسّرولي اللي راهو تمثيل ، ونا
الشّهـﭬـة تهزّ فيّ وتحطّ .. ما سكتّ كان كي
نـْـزَر عليّ بابا و حمـّّر فيّ عينيه .. خوفا على ولدو الراجل من اصابتو
بلعنة الاحساس .. وقتها رجـَـعت للجادة .. هههه
حكاية واحد يموت من
اجل بلادو .. كانت اكبر بياسر من قلبي الصغير وقتها ، قلبي اللي كان مشغول
بالزربوط و البيس .. و من ليلتها بديت
ندرك اللي قلب الانسان ، ممكن يتسع لحاجة اكبر من البيس و الزربوط .. حاجة كان معبّي بيها قلب
مصباح الجربوع .