مزاجيّ الطباع يا أنت .. في كل شي تقريبا .. ليس سرا انك غالبــًـا ما تحمل هذه المزاجية اللعينه محمل الطبع السيّئ .. فلكـَـم تسببت لك في احراجات و إزعاجات مع الأهل و الأصحاب .. خاصة عندما يتعلّق الامر بسلوك يفرضه عليك عـُـرف عائليّ .. أو "عــَـرف" في العمل ... أو ما إاليه من تفرّعات النفاق الاجتماعي
الـ"عـُــرف" … و الـ"عــَــرف" …
ما الذي يمكن ان يجمع هذين الاصطلاحين.. فضلا عن اشتراكهما في نفس المادة ( ع. ر. ف) ؟ قد يكونان فرعين لجذر واحد هو المعرفة وهمـًـا و سلطــــةً .. دون المعرفة علمـًـا و حرّيةً... فالقائلون بالعـُـرف ، و العاملون به ، و المدافعون عنه التائقون إلى تأبيده و ترسيخه في سلوكنا ، إنّما هم يتوهّمون أنّّهم يفوقون معشر الكافرين به معرفةً به و غوصــًـا في بنوده و فروعه التشريعية . فلا يدّخرون لذلك جهدا في إثنائك عن طريقك إن أنت حـِـدت عن هذا العـُـرف ، أو أبديت شيئـًـا من التململ في الانصياع له و الالتزام به ، فترى ملامح جادّة و مخيفة سريعــًـا ما ترتسم على وجوههم ، و تمطرك نظرات لومهم و استنكارهم التي يعلوها جبينهم المقطّب و هم يسألونك بنبرة تحــقيقية استنطاقيّة : " ما عـيــّــدتـش على عمــّــك ؟" ..
أتذكر خطواتك المتثاقلة و أنت متـّجها نحو عمّك لتأدية واجب التهنئة بالعيد هذا .. و تلك الأسئلة الشيطانية التي ألفتــَــها تعتمل بين جوانحك الغضّة ؟
"الا يكفي ابي ؟
الا تكفي واجباتي نحوه ، حتى تضاف إليها واجبات أخرى تجاه هذا الشّخص الذي لا يربطني به أيّ جسر من جسور الودّ سوى انّه أخ لأبي ؟
كيف لي الآن .. و أنا امشي في اتّجاه هذا العمّ لتقبيله .. أن اُنشئَ توليفة بين القبلة التي تعوّتـُــها من أحبّتي الآخرين كتعبير عن التقارب الجسدي الودّي الحميمي الذي لا يمكن ان يكون مصحوبا بسوىالحبّ أو الشوق .. و بين هذه القبلة الغريبة الباهتة ، التي انا بصددها الآن ، هذه التي أنا مطالــَــب بتأديتها كما يؤدّى الواجب العسكريّ ، بكل جفاف و انصياع خاليين من رغبة أو ميل
كان أبي ، مدفوعا بحاجته إلى أخيه الذي يفوقه يسرا ، يأمرني بأن أحبّ عمّي .. أملا أن يزيد مقدارُ حبّي لعمّي من مقدار الهبات التي كان يغدق بها عليه في المناسبات و الأعياد تخفيفا لضغط المصاريف
يا لغباء أبي !! هل يؤمـَـر بشرٌ بالحب ؟
هل الحبّ إلا نور لست ادري من يقذفه في صدورنا و عقولنا فتغفو بضع ثانية لتجد نفسها تتخبّط في شراك لذيذ ؟؟
هل الحب الا لعنة مجهولة المأتى تصيب الروح فتنزف بردا و غراما ؟؟
كان أبي لا ينقطع يتلو على مسمعي مزايا هذا العمّ .. و غالبا ما كان لتلاوته تلك مفعولا عكسيا .. فكل ما يعدّه أبي حسناتٍ من هذا العمّ .. كانت تزيدني نفورا منه و إعراضا
كان ، مثلا ، لا يفوّت فرصة حتى يذكّرني بإحسان عمّي له .. فأزداد نفورا حين اتساءل "لماذا لا يحدث العكس فيـُــحسن ابي لعمّي ؟ .. و ما الذي يجعل من عمّي رجلا ميسورا .. و من ابي رجلا مقهورا ؟ "
كم كنت تلتـــــذ ّ باسئلتك الشيطانية تلك . كنت كتسلــّى بها و معها ، و بشكل سرّي حين تخلو بنفسك و حين تتاكّد ان جميع ما يمكن ان يصلك بالعالم الآخر قد انقطعت .. كانت لاسئلتك الشيطانية لذّة لم تضاهها سوى لذّة اكتشاف العادة السرية الأخرى .. و ليس غريبا ان يشترك الاثنان في اكثر من موضع : فكلاهما سرّي و لذيذ و محبب الى نفسك ، لكنّه مكروه من الآخر/الجحيم
"كان ابي يذكّرني انّه من دواعي فخره.. بل و فخري .. ان يكون لي عمّ شاعر .. و هو ناظمُ اشهر انشودة اطفال في البلد .. و ما من مدرّس الا و لقّنها لتلاميذه .. و ما من تلميذ الا و ردّدها في القسم و في البيت و في الشارع .. حتى كادت هذه الانشودة تتحوّل الى نشيد رسمي للطفولة في البلد .
غير انّ الذكرى اللعينه التي كانت تجمعني بتلك الانشودة ، و الصفعات المباغتة التي أغارت على وجهي ذات صباح شتائي ، من مدرّسي حين تفطّن الى انني لم أحفظها..قد حسمت الامر و اكّدت لي انّه لا يمكن لي ان احبّ هذا العم
هكذا .. في الوقت الذي كانت تلك الانشودة مفخرة ابي .. كانت مجلب نفوري من ناظمها .. العمّ الميسور
لقد خانتني اسئلتي الشيطانية هذه المرّة .. و تمرّدت ْ على انحباسها فتكاثرت ، في غير أوانها و مكانها ، و تواترت و تسابقت في رأسي حتى أنستني الاهتداء إلى إيقاع خطواتي
العمّ الميسور .. و الشاعر المنفور .. ينتصب أمامي كالتمثال / الوثن المستعدّ لتلقــّي القربان و ابتلاعه
الأب المقهور يختبر حسن أدائي و إتقاني لأداء واجب التهنئة .. ليقيس به مقدار المساعدات المتوقّــَـــعه
ارتعشت ساقاي .. ثم فقدت الاحساس بهما فلم تعودا قادرتين على حمل جسمي و رأسي الذي اثقلته الاسئله الخائنه
تلقّفتني ذراعا أمّي و أنا أهمّ بالسقوط أمام التمثال .. كأنّها كانت تدرك مابي تحديدا .. كم كان حضنها عظيما و هي تـُــخرجني من باحة المذبح
...
و لم "أعيــّد" على عمّي
2 commentaires:
نص رائع فيه عمق نفسي و وجداني فقط في حاجة لبعض التروشيك في اللغه
شكرا صديقي الانونيم .. ملاحظتك عزيزة عليّ .. يظهرلي ماله نشدّ الدارجة متاعي و نريض :)))))
Enregistrer un commentaire