احيانا الواقع يعطينا كفوف باهين .. يفيّقو
عندي مدّة شاغلتني فكرة مركّز مطالعاتي عليها : ملخّص الفكرة انّو امام الرداءة الفنية اللي قاعدين اطفالنا يتربّو في وسطها و ينشؤو عليها ، و تشكّللهم في ذوقهم الفني تبعا لمداخيل شركات الانتاج ، و موش تبعا لذائقة فنية و جمالية سليمه ،علاش ما يتعمّقش الاهتمام اكثر بفن المسرح الغنائي لـلاطفال .. موش فقط كأوبيرات تقدّم في المناسبات ، و انما كستراتيجيا ثقافية مكثّفة .. احداث مهرجانات متخصصة فيها .. رصد مسابقات و جوائز هامه للمتفوقين فيها .. تخصيص ميزانيات هامه لانتاجها..إدراجها في البرامج التعليمية
المسرح الغنائي يجمع اساسا زوز من اهمّ الفنون و اقدرها على تشكيل متذوقين جيّدين للجمال : المسرح و الموسيقى
المسرح ، بكل ما فيه من حركة .. مواجهة .. تواصل مباشر مع المتلقّي .. تدريب على التحكم في الصوت .. صدق في الاداء .. اختبار الصدق من خلال المعاينة الحينية لتفاعل المتفرّج ، و الموسيقى بكل ما فيها مـن نصّ ، ايقاع ، صور ، لغة ، احساس ،
يعني المسرح الغنائي ، يظهرلي ،هو انظف اتموسفار ممكن تتربى فيه اذن و عين الطفل .. و بالتالي ذهنيتو العامه ..
هاذي النقاط العامة متاع الفكرة .. و اكيد تو نرجعلها بالتفصيل و بالأمثلة اللي شفتهم و زادو حبّبوني في الفكرة ..
لكن كيما قلت الفوق .. احيانا الشارع يكون هو الركح الجاهز و الخطير و الصادم و المستفزّ و "الصادق الأمين" اللي يوفّر عليك اشواط كبيرة من البحوث و الاوراق و التنظيرات و المقارنات و الاستنتاجات ... ما ثماش ما أقدر من الشّارع على كشف العورات
من ساعة لساعة .. الشارع يــألّف و يخرج و يبسط روحو ركح لمسرحية مختصرة و موجزه .. لكن بليغة .. و بلاغتها تنسّيك حتّى باش تصفّقلو في الاخير .. و يكتّف ايديه و يتبسّملك تبسيمه ساخرة .. و يبقى يستنّى فيك اش باش تعمل
المشهد اللي شفتو آمس ، كان مشهد متاع دقيقة والا دقيقتين بالكثير .. اما مدمّر و ملخّص للهموم الكل
الابطال: طفل ما يتجاوزش السبعه
سنين ، و أمّو ، و المعلّم
اللي كان عندهم حضور فعلي و طاغي على الركح هوما الام و الطفل
المعلّم : ماكانش حاضر فعليا ، كان موجود في الخلفية .. كان حاضر كقيمه .. كسلطة قاهرة خصّاءة .. كمنظومة أخلاقية مخيفة و منفّرة .. حضورو ، مع الاسف ، كان رديء ياسر ، و ما يليقش بدورو الطليعي ، إذ من المفروض يكون وعيو متقدّم نسبيا
الدّيكور : شارع مّسّــخ .. حاوية متاع البلدية طايحة .. و خارجة منها ساشيات متاع زبلة عندها نهارات ما تلمّتش .. تبربش فيها قطاطس منسّلة (!) مطرّده من الفضاءات النظيفة (!) فأدمنت جـِـيفة المزابل قوتـًـا لها (!) ... باب كبير محلول متاع مدرسة ابتدائية .. يستقبل في عدد قليل من التلامذة اللي جو مّخّر .. و من حين لآخر تسمع واحد من الصغيّرات ينبّه في خوه و الا في صاحبو و يستحثـّــو للاسراع في الخطى بعبارة : "فيسع .. رام دخلو"
و على بعد امتار من مدخل المدرسه ، امّ تحب تدخل للمدرسة هي و ولدها اللي كان يبكي و ممتنع على الدخول .. بقوّة و باصرار عجيب
و كيما يعرف العديد منكم انّي قرّيت في التعليم الابتدائي ، لكن طوال المدة اللي قرّيتها ، بعمري ما شفت اصرار على عدم الدخول للمدرسة من أكثر التلاميذ كسلا و لامبالاة ، كيما اللي شفتو آمس
و حتى اذا يتمّ امتناع ، فإنّو ياقع حـَـسمو في البيت ، إما بطريحة من الأب ، او بمقايضة من نوع هاك فلوس و الا شكلاطه .. و امشي للمدرسه
الوليّد هاذا امّو تكركر فيه بقوّتها الكل .. و هو يتخبّط .. يجبد في روحو خارج المدرسة .. و هي شادّتلو الكرطابله بيد ، و باليد الاخرى تجبد فيه لداخل
المشهد ما كانش عادي ، و كان مثير للتساؤل و للحيرة ، شنوّة اللي يجفــّــــل تلميذ من المدرسة للدرجة هاذي .. (و يجفّل هنا خوذوها بالمعاني الكل ، سواء يجفّل بمعنى ينفــّــر .. و الا يجفــّــل بمعنى يغطّسو في الجفــّال باش يقضيلو على لونو /روحو)ـ
الوليّد في اللحظه هاذيكه عندو سبب يمنعو من الدخول موش فقط للقسم .. و انما للمدرسه اصلا .. يا للكارثه .. و من الاكيد انّو السبب هاذا كان أقوى من سيطرة أمّو و بوه عليه ، و معلّمينو و مديرو و طاقم المدرسة الكل ،
اقوى من احتمال تعرّضو لاستهزاء اصحابو منّو وقت اللي ما يجيبش عدد باهي بسبب غيابو هاذا .. و اقوى من عقوبات العالم الكل اللي باش تنجر على هالغياب و هالامتناع على الدخول
الحوار اللي كان داير بين الأم و ولدها كان يتلخّص في غمغمات مفهومه ،الى حد ما ،من طرفها هي .. غير مفهومه من طرفو هو ، من نوع : عيّش ولدي .. ما تخافش .. هاني باش ندخل معاك .. راو ما يعملّك شي .. تو نكلّمو نا
و هو ، كان بكاه و بحّة صويّتو غالبين على كلامو اللي ما كانش مفهوم .. تعرفو مليح الصغير المقهور كيفاش يبدا يبكي و يتكلّم في نفس الوقت ، و الشهقة تهزّ فيه و تنفض .. هكاكه بالضّبط
قربت منهم شويّ .. مدفوع بالفضول .. و مدفوع بالطّفل اللي مازال يسكنّي .. و اللي كثيرا ما يلقى روحو ، لحد هاذي لحظه ، لغدوه ، في مواقف شبيهة ياسر بالموقف هاذا .. و قلتلها : أختي ، بربّي شبيه لوليــّد ؟
قالتلي : " هاك تشوف .. ما يحبّش يدخل يقرا .. خايف من المعلّم و حاشم من صحابو لا يضحكو عليه .. خاطر قاللهم اللي ما يجيبش فلوس التبرّع 26/26 ما يجيش .. و بــّــيّو مشّو هنا .. و ... " و تخنقت المرا بالبكا .. و ما نجّمتش تكمّل جملتها .. لكن ما كنتش في حاجة لبقية كلامها باش نفهم حالتها .. على خاطر ملابسها و تجاعيدها المبكرة و بشرتها و صوتها كانت كافية باش تـُـسعفها ، و تنطق في بلاصتها ، و تكمللها الجمله اللي ما نجّمتش تكمّلها هي بالغصّة
كانت هي تحكي .. او تحاول تحكي .. و انا نسمع فيها و نتأمــّــل في وجه الوليّد .. و في المرارة المرسومه على وجهو .. و في الاحباط اللي في خزرة عينيه اللي فايضة دموع .. و في صبّاطو المغبّر .. من جرّاء الفــْـراع مع امّو .. منديلتو اللي كــُـمّّ مشمــّر و كـُـــمّ هابط
حسيت روحي قدّام انسان كبير .. و شـَـريف .. انسان محترم يحبّ يوفي بوعدو اللي التزم بيه قدّام معلّمو .. رغم اللي الالتزام هاذا ماكانش صريح .. كان ضمني و صامت .. اكيد انّو وقت اللي المعلّم قاللهم "اللي ما يجيبش فلوس 26/26 ما يجيش ".. اكيد راهو الوليّد هاذا حبّ يقلّو : "سيدي انا مانيش متأكّد انّي انّجم نجيب .. بابا موش هنا و امّي ما عندهاش .. على الاقل توّ .. يحبّلها وقيّت باش تتسلّف و الا ادّبّر امورها في انتظار انّو بابا يجي .. اما يا سيدي راني نحبّ نقرا .. نحب نجي .. ما نحبّش نغيب .. و تفوتني الدروس و نتعاقب و صحابي يضحكو عليّ"ـ
التلميذ هاذا بينو بين روحو .. يقلّك مادام انا سمعت الشّرط متاع المعلّم و سكتّ .. معناها وافقت عليه .. اذن .. زايد باش ندخل توّ للقسم و انا مانيش موفّي بوعودي
التمرّد اللي قام بيه الطفل هاذا .. نتصوّر عندو اسس عميقة في وجدانو .. على خاطر كيما قلتلكم الحالة الرثّة اللي عليها هو و أمّو .. و خاصّة امّو .. تبيّن مليح منين جاي .. يعني نتصوّر اللي الوليّد هاذا كان في داخلو مستهجن فكرة التبرّع هاذي لسبب بسيط ، و هو انّو هو بيدو في حاجة للتبرّع .. كيفاش يولّي هو مطالب بيه .. و مهدد بالعقاب اذا امتنع عن ذلك
و من فكرة لفكرة .. تداخلت في ذهني الادوار .. و ماعادش عارف شكون المعلّم و شكون التلميذ
شكون الكبير و شكون الصغير
شكون الحكيم و شكون البائس
و جا لبالي المشهد السّريالي التالي : تخيّلت المعلّم قاعد على المقعد المدرسي الصغير الضّيّق متاع التلميذ هاذا .. و مغصور .. و ساقيه ملمومين و حالتو حليله .. و التلميذ هاذا .. الصغير القامه .. حاطّ كرسي فوق لـِـسـْـتـراد ، معلّي بيه باش ينجّم يوصل للسبّورة .. و شادد قطعة طباشير و يكتب في عنوان الدّرس
و المعلّم هو اللي يتلقّى في الدّرس و ينقّل فيه في دفتر إعداد الدروس متاعو .. اللي ماعادش "جورنال دو كلاس" .. بل ولّى كراسة فارغة .. يلزم تتكتب فيها دروس اخرى
أبجد هـــوّز حطــّي كلمن
إفتح صفحه .. إمسك قــَلـَمـُن
4 commentaires:
على قدر ما بكى الولد الصغير هذا على الحكاية على قدر ماهو بش يضحك عليها كيف يكبر، والفترة الي عايشها اكيد بش يتذكرها بالكثير من التقديس... ممكن تخلفلو كره للرقم 26 هههه، ولو يكبر ويكون ذكي بالعكس، يولي يتبرك بيه الرقم هذا، انا في بلاصتو كنت انردو الرقم متاع القمار متاعي، عمركشي شفت 26 خسر فرنك؟
مرحبا
الاكيد اللي المعلم البائس خايف من مدير بائس و يتصور انه ملزم باكراه التلامذة على التبرع و الاكيد انه المدير البائس واقع هو بيديه تحت سلطة بائس اكبر...ـ
الاغتصاب المقنن" كيف ما سميته انت ولى اشنع واخطر بفضل "الاجتهادات الشخصية" متع كمشة الذيول اللي تعبر على ولائها بصلف و جهل غير محدودين...ـ
" الاغتصاب المقنن "
اللي حكيت عليها ولى اخطر و ابشع بفضل" الاجتهادات الشخصية" متع كمشة الذيول اللي يعبروا على ولائهم بصلف و جهل غير محدودين... نتصور ان المعلم البائس اللي اجبر تلامذته على التبرع واقع تحت سلطة مدير أكثر بؤس ... و المدير خايف من بائس اكبر... سلسلة بائسة ما تنجمش تتكسر كان بتلميذ من النوع اللي حكيت عليه... على الاقل عبر على احترامه لروحه و احترامه لوعودها الضمنية بالبكاء..
@ferrrrr
فعلا .. ربما الحكاية تولّي فيها إيجابيات .. منها انو الطفل هاذا يولّي متعوّد على الاسئلة الشيطانية و الوجودية على
بكري
@لاعب النرد
في البداية دعني أرحّب بك بشكل خاص .. و رجوعك راهو أمر مفرح .. خاطر فيسع ما جيت فيسع ما تصادقنا فيسع ما مشيت .. قبل حتى رافال الحجب اللي طالك
صحيح التلميذ هاذا قادر على تكسير السلسة شرط استعداد مكوّنات هالسلسلة لتلقي الدروس
نتصوّر عملية كيف هكه اذا تاقع في بلد من البلدان اللي تحترم شعوبها.. تقوم الدنيا و ما تقعدش
ferrrr + nared : c un plaisir de vous revoir
Enregistrer un commentaire