vendredi 28 janvier 2011

ملاحظات في توصيف ما حدث بالشّعبويّة

منذ انطلاقة الثورة ، توجدت العديد من حلقات النقاش ، هنا و هناك ..من مدونات الى صفحات الفايسبوك ... حول مسائل سياسية و قانونية .. لعلّ اهمّها دور النخبة السياسية في الحركة الاحتجاجية ، غيابها من حضورها ، حضورها الايجابي من السلبي ، تجاوز وتيرة الشارع لاستيعاب النخبة السياسية ، تأخّرها في صياغة البرامج و المواقف و تحديد المهمات ...الخ

دارت كذلك بعض النقاشات حول مسائل قانونية ، خاصة ليامات لخّرة في خصوص الفصل 42 المنقّح اللي ينصّ على تمتــّـــــع الرئيس بحصانة قضائية خلال و بعد مدّته ، على خلفية بطاقة الجلب الدولية اللي صدرت في "زين العابثين بن علي" كيما كان يحلو لوالدي يرحمو انّو يسمّـــيه

في وسط هاذا الكل .. لاحظت ثمّة استهلاك مجاني و غير دقيق لمصطلح معيـّن في توصيف بعض المواقف مما حدث ، هو مصطلح "الشعـبـــويّة" ـ

انا رجعت للمفهوم هاذا ، في دلالاتو الاصطلاحية و السياسية و التاريخية ، و الحق ما لقـيـتــــش ضرورة لاستعمالو في توصيف ما وقع في بلادنا في مراحلو الكل ، سواء منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية ، سواء بعد تناميها و تحوّلها الى مدّ ثوري ، سواء في الحركة الاعتصامية متاع ما بعـد 14 جانفي

توصيف الدعوة الى اسقاط الحكومه الحالية ، عبر تخلّى رموز النظام القديم فيها على حقائبهم ، و الدعوة الى حل المنظمة الارهابية اللي إسمها : "التجمّع الدستوري الديمقراطي" .. توصيف هاذا الكل بالـ"دعاوي الشعبوية" أمر ما يستقيمش في تصوّري ، خاصة وقت اللي يصدر من ناس مشهودلها بالقدرة على التحليل و القراءة الموضوعية للاحداث و للوقائع ، و اللي يبدو انّهم في حاجة لمراجعه مفهوم "الثورة" و خطوط تــمـَايزو مع مفاهيم اخرى مجاورة ليه : "انتفاضة" ، "انقلاب" .. و من ثمّ .. وضع ما حصل في بلادنا في الخانه الصحيحة ، بما يستدعيه ذلك من استكمال مهام الثورة هاذي ، سواء في العزل و الفصل الكامل للهياكل و الاسس و المؤسسات اللي كان النظام القديم يقوم عليهم .. سواء في استرجاع حياديّة مؤسسات اخرى ، وقع توظيفها لصالح النظام القديم ، عبر ضرب استقلاليتها

المهام هاذي ما يجسّدهاش انقلاب فوقي في اعلى هرم السلطة ، و ما تجسّدهاش انتفاضة او هبّة شعبية من اجل بعض الاصلاحات الجزئية

يعني هنا ضروري التفريق بين خطاب يهدف الى استكمال مهام ثورة على قاب قوسين او ادنى من الغدر ، بكامل مطالبها و محتوياتها السياسية ، و بين الخطاب الشــّـعـبوي

انا نعتبر انّو الخطاب الشعبوي هو هاك الخطاب اللي مأسس على مشاعر شعبية متأجّجه .. يحكمها غضب عرضي وقتي ، او نخوة انتماء عرقي او ديني ، دون ان يستوعبها و يوجّهها و ينقــّـيها من شوائب الوجدانيات و الرومانسيات و يرتقي بها الى مرتبة التأسيس النظري

و هو الخطاب اللي يقدّم للجماهير ما تودّ هذه الاخيرة سماعه ، و ليس ما يحدث على ارض الواقع

و هو الخطاب الذي يلغي قدرة الجماهير على الفعل عبر تضخــيم سلبيتها و انّها "مظلومه" و"مفعول بها "

ننطلقو من الناحية المفهوميّة

مصطلح "الشعبوية" (populisme) في اللغه .. في المنجد .. يتعلّق - فيما يتعلّق- بتوجّه روائي يـُـعـْـنى بالاهتمام بوصف الحياة اليومية للشعب و الاحتفال بوصف تفاصيلها .. و من ثمّ .. توسّع المفهوم و خذا منحى سياسي عام ، اللي هو: التوجّه الى الشعب في الخطاب و في البرامج

نتوقــّــفـو لهنا شويّ ، و نسجّـلو حاجة بسيطه ، انّو - موضوعيا- و انطلاقا من الدلالة الاصطلاحية هاذي لهالمفهوم ، ما ثمّاش ما ينمّ على انّو يشتمل على حاجة من قبيل "الذم" او "القدح" ـ

نرجعو نتعمّقو شويّة في تداعيات المفهوم هاذا السياسية ، و نبحثو على هويّة "الناعت" و "المنعوت" بهذه "السّبّه" ان جاز لنا تسميتها كذلك

في السياق العربي ، مثلا ، يـُـنعَت بالـ "شعبوي" من يقوم بمغازلة الجماهير بخطاب يدغدغ وجدانها المتحمّس بنوع من التملّق.

ثمة زوز كلمات مفاتيح هنا :

1) خطاب

2) الجماهير

يعني ثمّه معطى اساسي هنا ، هو "ذات معينه" تتولـّى تقديم "خطاب" الى "جماهير" ـ

قد يكون الخطاب هاذا حماسي و عاطفي ، يغذّي بعض النعرات العرقية ، و مبني على الشعارات دون برنامج عملي دقيق و واضح

كيما زادا ، قد يكون خطاب موجّه للجماهير ، مستمدّ منها و من قضاياها ، يحتوي على نظرة متبصّرة،جادة،عقلانية ،منسجمه مع الواقع ، و غير قافزة عليه ، وفق برنامج عملي واضح المعالم و قابل للانجاز

دونك ،طبيعي باش الواحد يتسائل : شكوني أقرب جهة يمكن ان تكون لها مصلحة في اطلاق هذا النعت على المجموعات او النخب اللي توجّه "خطابها" للـ "جماهير" ؟ اليست السلطة السياسية الحاكمه ؟ باعتبار التناقض الموضوعي و الحتمي لمصالحها مع الجماهير ، و بالتالي معاداة ايّ خطاب و أي برنامج يقوم على تأكيد و دعم مصلحة الجماهير الاساسية ، و اللي هي : الحرية

ثمّ سخرية السلطة السياسية من "الشعبوية" ، لصالح أش ؟ هل لصالح خطاب آخر اكثر تجذّرا و اكثر نجاعه ، في إسقاطها ؟؟؟ ام انّ كل خطاب موجّه ضدّها ، هو خطاب شعبوي بالضرورة .. إن كان متملّقا للجماهير ، أو مرتقيا بوعيها ؟ ـ

بالتالي مصطلح "الشعبوية" هو مصطلح ملغوم ، يستبطن استعلاء على الجماهير ، و احتقار و تتفيه لاحتجاجاتها و لتجربتها ، على اساس انّها شعوب "محدودة الوعي" و "غير مضمونه" و "لا يجدي معها خطاب التودّد" ، و هنا بالضّبط يجي دور ابواق الدعاية للسلطة الحاكمه

يعني ، و بين قوسين ، ماهوش فقط من قبيل السبّ الاخلاقي وقت اللي نقولو انّو واحد كيما برهان بسيّس هو "بوق دعاية" أو "قلم مأجور" ... و موش من قبيل الصدفه انّو في آخر لقاء ليه على قناة الجزيرة ، استعمل برهان مصطلح "الشعبوية" اكثر من مرّة .. في توصيفــو للاحتجاجات اللي وقتها بدات تخرج على السيطرة ، و بدا هو يفقد معاها في السيطرة على اعصابو ، و ظهر وقتها متوتّر برشه .. اللي هو شي طبيعي ، عبارة على واحد قالولو هزّ ماعون الصنّعه متاعك الكل و برّا روّح .. ماعادش عندك ما تخدم هنا .. و من بين ماعون الصّنعه متاعو : مصطلح "الشعبوية" اللي وقتها نعت بيه الاحتجاجات

كذلك ثمّة خطأ فادح هو اختزال الخطاب الشعبوي في اليسار .. بل وصل الامر بالبعض الى اعتبار الحركة اليسارية ، بتفريعاتها المختلفة هي حركة شعبوية

و الحال انّو الامثلة على عكس الادّعاء هاذا عديدة سواء في التاريخ (الخطاب النازي كان خطابا موغلا في الشعبوية) و في الحاضر (الروح الشعبوية لخطاب التيارات اليمينية المتطرفة الاروبيه .. هولانده ابرز مثال )

لكن السياق الاهم - تاريخيا- (في تصوّري) اللي وقع فيه استعمال مصطلح "الشعبوية" هو الصراع اللي دارت رحاه داخل الحركة الشيوعية العالمية ، في الخمسينات اساسا ، ما بين الستالينية و الماويّة ، إذ ْ فيما كانت الماوية تتهم في الستالينية بالـ"تحريفية" ، كانت هذه الاخيرة تتهم في الماوية بالـ"شعبوية" .. و الامر هاذا يتعلّق بمسائل جزئية و فرعية و بالمواقف من "الحزب الثوري" و "من هي القوى الاساسية في الثورة" ؟ العمال ام الفلاحون ؟" و "تقديس العفوية" و "تقديس الحركة على حساب النظرية" ... الى غيرها من الجزئيات .. و منها .. توصيف حركات التحرر اللاتينية بالشعبوية .. نظرا لمرجعياتها الماوية

و مهما يكن من أمر ، و باعتبار انّو موش هاذا المقصود بنعت الـ"شعبوية" اللي يتردد هالنهارين في سياق بعض المواقف من قضايا الثورة التونسية

و باعتبار كذلك انّو كيما تم توضيح انّو المطالبه باسقاط رموز النظام القديم هو من قبيل استكمال لمهام ثورة مهددة بالسرقة ، و موش انقياد و انصياع لمطالب شعبيه غير ناضجة .. يبقى توصيف الحركة الاعتصامية لما بعد 14 جانفي بالـ"شعبوية" .. توصيف فيه الكثير من المغالاة وعدم الدّقــّـــه

شعب كيف شعبنا العظيم و الذكي ، عينيه محلوله عالدنيا الكل ، وقع حرمانو لعـقود من اساليب التعبير البديهية و الطبيعية ، من الشرعي انّو وقت اللي يسترجع الحق هاذا .. و يفتكّو افتكاكا ، باش يستعملو للاخر .. و موش باش يتقسّط فيه .. شي طبيعي .. اللي على وشك الموت عطشا في الصحرا .. و تتمدّلو دبوزة ما .. وقتها ما يفكّرش طبــّــيـّــًـا في انّو يبدا يبلّ في فمو و لسانو بالطّريّف بالطــّريـّف قبل ما يشرب دفعة وحدة .. لا .. يفكـر غريزيا في حاجة وحدة : الارتواء = الحياة

4 commentaires:

لاعب النرد a dit…

شكرا براستوس نص ممتاز ويقدم الاضافة اللي نحتاجوها..
اما ثمة ملاحظة بسيطة: انت اش تسمي الخطاب اللي يتملق الشعب كأنه الشعب التونسي ما فيش لا سراق و لا ابندية و لا نهابة و قطاع طرق و لا كركارة ..؟
كأنه النخب النقابية و السياسية ما فيهاش الانتهازي و الووصولي؟
اش تسمي الخطاب اللي يدعي العلمية و في نفس الوقت يصر على اعتبار الشعب صمصومة وحدة..كتلة وحدة ..وينسى تماما اللي انكار الطبقات يعني انكار الصراع الطبقي و بالتالي ما ينجمش يحدد الخطوة القادمة بالوضوح الكاف ولا اشكون باش ينهض بالمهمة التالية
؟
معاك في ان توصيف الحركة الاحتجاجية من وقت اللي بدت حتى الى 14 جانفي بالشعبوية من باب المغالطة أما في نفس الوقت ما نجموش ننكروا اللي برشة ممارسات من قبيل مهاجمة معلم و الا استاذ و الا اي موظف اخر في مسؤولية ما و توجيه التهم و اصدرا الحكم و المرور للتنفيذ بطرده مثلا ما ينجم يكون وراه كان خطاب شعبوي

brastos a dit…

اهلا لاعب النرد
يا خويا مشكور
ملاحظتك هامة
موجود كل شي .. الفئات اللي ذكرتها الكل موجوده .. و اكثر منها
لكن انا زاده عندي سؤال اخر
هل انّها الفئات هاذي توجدت توّ ؟ و الا من قبل موجوده
الفئات هاذي في ظروف خصوصية معينه ، و بالتحديد اثناء ممارسها للثورة ، قابلة لتلقّي دروس جديدة عليها
انا شفت مشاهد هنا مؤثّرو جدا ، اللي كانو خلايق و سرّاق و بانديّة .. هبّطو المصلحات متاع نساهم و بدو هوما ينظّفو في الشوارع
لجان الحراسة في الليل كانت مدرسة علّمت العديد منهم قيم جديدة و كبيرة .. ما اتيحتلهمش الفؤصة باش يكتسبوها قبل
حالات الانفلات و الانتقامات وغيرو هي حالات معتادة في الثورات .. لكن ما تشوفش معايا انّو مقارنة بثورات اخرى ما كانش الامر بالضخامة المتوقّعه
وقعت حالات صحيح .. اما ما تحوّلتش الى ظاهرة عامة و عارمه
تضخيمها اعلاميا و دعائيا ماكانش بريء
ثم انا اللي عنيتو بالضّبط موش اندفاعات بعض المواطنين و انتقامهم
هاذاكه اكيد سلوك فوضوي و لا يجب تشجيعو
اللي عنيتو هو توصيف المواقف السياسية لبعض الاطراف ذات الثقل الهام في البلاد بالشعبوية

ART.ticuler a dit…

Hors sujet: (enfin mouch barcha)
fino diana magazine? :-))) http://dianamagazine.blogspot.com/

brastos a dit…

@ art ticuler
هههه
كنت ناسيه .. باللاهي خليني نمشي نعمل بحذاه طلّه تو