عنقوديــّه .. عقائديّــه .. كلـّها قنابـــل

بعضهم يحلو له إطلاق صفة "الدروشه الجماعية " على كل تحرّك جماعي من اجل المطالبة بحقوق مهضومه او انتفاضة شعبية او مقاومه ، و لا داعي لتذكيرهم بأنّهم سبقّلهم و اطلقو مثل هالمصطلح السّمج و ثقيل الظل على تحرّكات الحوض المنجمي في السنه الفارطة ، وقت اللي عدد كبير من المدونات التونسية اللي حسّت روحها معنيّة باللي صاير ، انخرطت في سلسلة من التدوينات اللي تدين القمع اللي تمارس على اهالي الحوض المنجمي .. نتذكّر وقتها انها الناس تناقش في اللي قاعد يصير و اسبابو و تداعياتو و تتناقل في المعلومات رغم شحّ مصادرها و تحيل في بعضها على روابط الفيديوات و المواقع و النشريات الالكترونية اللي غطّت الاحداث ، و تستخدم في معارفها الرقمية بهدف اعادة بعث المدونات المحجوبه بسبب تغطيتها للاحداث

و هالبعض الأخر هاذا ، وقتها ، كان داخل معبدو الجديد ، حاطط قدّامو اله جديد اسمو "معاداة الدين" و يصلّليلو ، في طقوس وثنية جلمودية

و نتذكّر مليح انّو وقع تمهزيل تفاعل الناس مع الشهداء اللي سقطو وقتها .. و وقع اعتبار هاذاكه الكل مجرّد "دروشه جماعية" امام المهمه اللي يشوفولها هوما مركزية و رئيسية ، وهي الصلاة و التعبّد في محراب الههم الجديد اللي اسمو : " الــّلااله"ـ

و يبدو انّو اصبح ملحّ تذكيرهم بانّو لا يمكن التصدّي للدين و الا لغيرو من الاشكال البدائية للمعرفة دون وضعو في سياق التاريخ

و اصبح من الملحّ دعوتهم الى الكف على حالة الارتجاج اللي تنتابهم كلّ ما تمكّنت حركة دينية معينه من تحقيق انجازات ، هوما اسبق الى المناداة بيها

هنا بالضبط ، تغيب شجاعة هؤلاء على مواجهة الحقائق ، و قرائتها بتأنّ ، و تغيير بل تطوير ادوات تحليلها و اساليب عملها ، و الاكتفاء ببناء جدار سميك من الايديولوجيا بينهم و بين هذه الحقائق .. و هوما بالشكل هاذا يقدمو ارواحهم هوما و جدارهم الايديولوجي المتجمّد وجبة شهيّة لمثل هالتيارات ، اللي تزيد تقوى ، و تتعلّم المرونه و المراوغة و الممارسة المطّورة .. على حساب تكلّس و جمود العقائديين الجدد .. يكفي ان اجلب لكم معلومه صغيرة من ماضينا الطلّابي : اسرّ لي احد الاصدقاء انّه اثناء انتظامه مع الاتجاه الاسلامي ، كان كتاب لينين "ما العمل" من الادبيات التنظيمية الداخلية للجماعة
و في هذه المعلومه ما فيها من دعوة الى التعامل المرن سواء مع الواقع او مع القناعة

قلت ان مصطلح "الدروشة الجماعية" نراه يتكرر الآن أمام حملة المساندة اللي صايرة للمقاومة الفلسطينية بجميع فصايلها

اجدني مدفوعا الى اعادة طرح العديد من التساؤلات المكرورة و الممجوجه ، ايه ، لكن المنسيـّه ربما

هل انّ مجزرة غزه هي الاولى في تاريخ الصهاينه
و هل ستكون الاخيرة

من اكبر سنّـًـا ، المجازر الصهيونية ؟ ام حركة حماس ؟؟

هل انّو الاصطفاف وراء المقاومه كخيار مبدئي و ليس كقياده سياسية و تنظيمية ، هو بالضرورة اصطفاف وراء حماس كمشروع للتطرف الديني ؟؟

هل انّ النكرات التي تقبع في الرخاء الامني وراء الشاشات ، اشد عداء للجهل و الظلامية و التخلف من الفصائل المقاومه الاخرى ، اليسارية .. الشيوعية .. تحديديا ؟؟؟؟ ـ

و هل الاطاحة بحكومة حماس ، و هي الذريعة اللي الكيان الصهيوني بيدو كفّ على التذرع بيها لقيامو بالهجمه ، ضامن لكفــّو على ارتكاب مجازر اخرى

ما الفرق بين شماتة الاسلاميين ابّان رحيل محمود درويش بدعوى "كـُـفـْـرِهِ" .. و بين شماتة "المتعلمنين" الآن في القتلى و الجرحى بدعوى "اسلاميّتهم" ؟؟؟؟؟ـ

ما الفرق بين تدوينه اذا يقراها الصهاينه يطبعو منها الاف النسخ و يرمو بيها فوق روس اهالي غزّة و يكون لمفعول قرائتها من طرف الثكالى و الايتام و فاقدي عائلات بأسرها ، نفس مفعول القنابل العنقودية ، و بين القنابل العنقودية الفعلية ؟؟؟؟ ـ

هل انّ الحرب التي يشنّها الصهاينه الان على شعب غزه هي حرب نيّرين ضد ظلاميين ؟؟؟ حداثيين ضد رجعيين ؟؟؟ ديمقراطيين ضد متطرّفين ؟؟؟ علماء ضد جهلة ؟؟؟ تقدميين ضد متخلّفين ؟؟؟؟ـ حتى يـُـدعى "النيّرون " و "الحداثيون" و "التقدميون " الى الانخراط فيها ؟؟؟ ـ

ام هي حرب كيان غاصب ، محتل ، مأزوم حضاريا و تاريخيا ، يشكو مجتمعه من تفتت داخلي بفعل تكوّنو من جملة من لقطاء العالم اللي ما تربطهمش حتى روابط ثقافية هامه اكثر من اكذوبة الدين الموحّد ، و ما تربطهمش حتى روابط سياسية اكثر من رعاية اعظم قوة في العالم ليهم ، كيان لا ضمان لاستمرارية وجوده الا بالمزيد من القتل و الترويع و التوسع و الابادة

علاش في عوض هالروح الانهزامية ، ما ياقعش التفكير ، و الا الدعوة الى انشاء تحالفات اخرى مغايرة ، المراهنة على قوى جديده صاعده عالميا .. التفكير في استثمار الصحوة اللاتينية .. استثمار التنين الاسيوي.. العمل ضمن منظمات انسانية عالمية من اجل التتبع القضائي لمجرمي الحرب .. الخ .. الخ .. من الاشياء اللي ممكن تتعمل عوضا عن هذه الشطحات الانهزامية ..قد تبدو افكارا بعيدة المنال او طفولية ، و لكن الا ترون انّ اشد الاحلام طفولية اشرف من الخذلان المحترف؟ ـ

الم يبدأ الكيان الصهيوني من حلم طفوليّ ؟؟؟ ـ

جيّد جدا ان نعمل ما في وسعنا لمحاربة "الجهل" و "الظلامية" لكن لا يجب ان يكون ذلك على حساب حرية الشعوب و على حساب التلاعب بمصائرها

للكيان الصهيوني دينه و للكيان الصهيوني تخلّفة و لليهوديات حجابـهنّ و محافظتهنّ و قوامة الرجال عليهنّ ولليهود صلوات و تلمود و ادعية و ختان و صوم و لحيّ و سوالف و طقوس ارتعاشية امام حائط مبكاهم .. وهو لعمري جهل اشدّ خطرا لانّه مقترن بارادة سياسية في البقاء على حساب كل من يعرقل هذه الارادة ، إن كان مؤمنا أو ملحدا

لماذا لا نكرّس حناجرنا لمحاربة هذا الجهل ايضا .. اليس هذا من ذاك؟؟؟ ـ

انا من طبعي انّي نتروّى قبل اطلاق التهم الكبيرة ، او الانطلاق في توزيع النياشين الوطنية ، كيما قاعده تعمل مدونة عبرات اللي نعبّرلها على تحفّظي على المقاييس المتبعة في تصنيف المدونين بشكل يتعمد الاثارة المجانية .ـ

اقول انّ الـ "وطنية" اللي وإن كانت تعني عند البعض مجرد مشاعر ملتهبة قد يؤجـّجها قصيد شعري أو أغنية حماسية ، فإنها في تقديري تتجاوز هالمفهوم العاطفي ، على اهمّيتو ، الى تأسيس آخر اقتصادي و سياسي واعي بالمرحلة و متطلّباتها ، واعي باولويات الصراع ، واعي بخصوصية التحالفات وفق قراءة متبصّرة و تحديد دقيق للاعداء الرئيسيين

حتى في الاقتصاد يوجد مفهوم "رأس المال الوطني" .. و هي راس المال اللي يتراكم من جملة المصانع و الحرف و الانشطة التجارية و الفلاحية المحلية دون ما يتدخّل رأس مال اجنبي لإجهاض هالتراكم او تشويهو .. قد يبدو كلام خارج شويّة على الموضوع ، لكن من خلالو نحب نقول اللي اطلاق صفة الوطنية او نفيها ، يلزم يتفهم خارج السياق الاخلاقي التخويني او البطولي الى سياقات اخرى أدقّ سياسيا و طبقيا

من المضحك انّي نصنع عدو في ذهني و نسمّيه جهل و ظلامية ، ونبدا نحارب فيه كيفما اتفق ، و اينما اتفق ، و وقتما اتفق

لكل منا الحق في خوض معاركه ، لكن اعتقد انّو اللي احنا بصددو الان ، ماهوش حرب دونكيشوتية ضد "الجهل" و" الظلامية" بقدر ماهي حاجه اسمها : سياسة عالمية

نرجع للـ "دروشه الجماعية" ـ

وقت تتكرّر نفس التسمية و الوصف لحركات تتشابه و تلتقي في التصدّي للاستبداد ، في غزه او في الرديّف .. و يندرجو لثنين في جدول "الدروشه الجماعية " فإنّو التقييم يبدا ياخذ في منعرج أخر

انّك تطالب بالتصدّي للابادة الجماعية و تقتيل عائلات باكملها .. هذا اسمو دروشه جماعية

انّك تتعلّم تفصل منهجيا ما بين نصوصك المقدّسه / المكدّسة في دماغك ، و بين مقتضيات لحظة سياسية و عسكرية حرجه .. يعتبر دروشه جماعية

انّك تتعلمّ تتحرر من هيمنة النصوص وتتعلّم تقرا واقعك بنضج و بواقعية و بمبدئية ، هذا يعتبر "دروشة جماعية" و تكريس لـ"بقايا الدين " فينا

ما هذا ؟؟؟؟؟

ما اعتقدش اللي هالاصوات المحبطه و السلبية (باش ما نطيحش في اتهامات اخطر من هكّه.. على خاطر الخيانة بيدها ماهيش في متناول الجميع).. ما اعتقدش انها اكثر ذكاء و حكمه سياسيين ، و اكثر هضم لخصوصيات اللحظة الراهنة ، و اكثر تشبّع بالتجربة مع الكيان الصهيوني (هالتسمية اللي ما اعتقدش انّها تنزل بردا و سلاما على من تتلخص احلامهم في زيارة "اسرائيل" ... ) من الاطراف الديمقراطية الوطنية العلمانية الاخرى اللي انتمت لخيار المقاومه

هؤلاء ، هاللي مترفّعين على "الدروشة الجماعية" ، ما نعرفش اش كان يكون موقفهم لو كانوا غزّاويين في قلب الميدان ، ؟؟؟ اللهمّ تكون عندهم قدرة سليمان على مخاطبة الحيوانات ، اما في الحالة هاذي يلزم تكون عندهم القدرة على التحاور مع القنابل العنقودية و فهم لغتها و فتح جدالات معاها و هي على قاب قوسين من الانفجار ، و اقناعها بانّهم "ضد الجهل" و "ضد التخلّف" و ـ"ضد الظلامية" ... و ماعلى تلك القنابل الا ان تؤجــّل انفجارها ، أو ان تغيّر وجهتها ، و لتبحث لها عن مرمى أخر ، اكثر جهلا و اكثر تخلّفا .. هكذا بطريقة توم و دجيــرّي

علما و انّـو ـ وهاذا من باب الابتسامه ـ توم و دجيرّي بيدهم ينجّمو يلقّنونا درس متاع سياسه في حلقة من الحلقات اللي فيها مولاة الدار جلبت قطّ دخيل عليهم ، مصنّع تكنولوجيا ، يتميّز بذكاء تكنولوجي رهيب و مبالغ فيه بشكل انّو ضيّق عليهم الخناق ، و ما عادوش لاقين الفرصة موش باش يتعاركو برك ، اما حتّى باش ياكلو في كروشهم..مما دفعهم الى التحالف ضدّو .. و بعد ما قضوا عليه .. وطرّدوه .. تلفّتو لبعضهم

القضية ابعد ما يكون على قيس حجم المواقف بحجم المجازر كما قيل

و ابعد ما يكون على الهتافات الحنجورية .. رغم انّو المتقلــّـقين و المحرجين من الهتاف الحنجوري كما اسموه ، منخرطون حدّ النخاع هم ايضا في هتاف حنجوري من نوع اخر ، و لكن شتان بين حنجرة تصيح لدرء العدوان و لادانة التقتيل و التصفية الكاملة للابرياء و الاطفال ضمن مشروع استيطاني تصفوي تطهيري كامل.. قد يتخذ لنفسه ذرائع متعددة ، شتان بين هذه الحنجرة ، و بين حنجرة متموقعة في خندق الشماته و التشفّي و الانتصار للاديولوجي على حساب السياسي .. و هي بالتاكيد اقصر الطرق للغباء

القضية متعلّقة بوعي سياسي جدلي و متفاعل مع المرحلة و بتعامل خلّاق و ليس جامد مع القناعات

لافائدة من تلقيننا من جديد درسا حفظناه عن ظهر قلب ، الدرس اللي اهم عناوينو : من صنع حماس ؟ و من صنع الاخوان المسلمين ، و من صنع الاتجاه الاسلامي ، و من صنع القاعدة و طالبان ، و ما علاقة ذلك باستثمار الدين في الحرب البارده ، و بشحن الـ"مؤمنين" .."الطيبين".. "السّمحين".. "الابرياء".. "الاتقياء" بكل ما يلزمهم لدحر "الملحدين الرّوس".. "الكفار".. "حطب جهنم" و ذلك لاسباب كلنا يدرك جيدا انها ابعد ما يكون على "نصرة الاسلام و المسلمين" ـ اسباب لا تفوح منها سوى روايح البترول

ما اعتقدش انّو ثمّه اثنين متنوّرين يختلفو في انّها حماس ، في نهاية الامر ، و كمشروع اجتماعي و حضاري ، ما تختلفش على غيرها من الحركات اللي قامت على اساس ديني او عرقي او طائفي ، و اللي تكفّل التاريخ بإنهاء وجودها ، بعد ما اثبتت فشلها في الحكم و القيادة ، خاصة في المجتمعات المتعددة دينيا و طائفيا

فيني النجاحات العسكرية للفاشية ؟؟؟ اللي تعصّبت للجنس الاري ؟؟؟؟ـ

فينهم الكوكلوكس كلان اللي تعصّبو للبيض ضد السود ؟؟؟؟؟ـ

الصهيونية بيدها ، كحركه متعصّبة لدين و لفئه معينه ، بقدر ماهي قاعدة تتمعّش عسكريا من مباركة و رعاية الامريكان ليها ، قاعدة تحفر في قبرها سياسيا ،و آلتها في ذلك هالمجازر و المحارق و التقتيل و الاباده .. و خير شاهد على فشلها السياسي و الحضاري المتغطّي بـنجاحات عسكرية ، هو ما تشهدو عواصم العالم منذ ايّام من مظاهرات مليونية .. عفوا من "دروشه جماعية" عالمية ـ

من السطحية و الغباء الارتياح للحلول العسكرية و الامنية ، المراهنه على الصهاينه : اعداءالجميع و اصدقاء انفسهم فقط ، للقضاء على التطرف الديني

الحرب على الجهل و التطرف و الظلامية تبدأ من محيطك الصغير ، من داخلك انت نفسك ، من محاربة المقدس فيك علما و انّو المقدّس ماهوش بالضرورة ديني

سنموت جميعا .. و ربما يموت جيلان او ثلاثة او عشرة بعدنا دون ان نشرب على نخب النهاية الفعلية و التاريخية و الجذرية للتطرف الديني ، فلـِم إذن هذه العجـَـله التي تدفع بالبعض الى حالة هستيرية من مدّ يديــن مرتعشتين شاحبتين الى التطرف الديني اليهودي ليساعدنا على القضاء على التطرّف الديني الاسلامي

دون ان يلتفت هذا الكيان المحتل ، حتّى مجرد الالتفات ، الى هاتين اليدين الممدودتين اليه ، هذا إن لم يبادر الى قطعها.. لانّه في غنـًى عنها